قسمة التركات في ضوء نظام الأحوال الشخصية
مفهوم التركة والقسمة – الإطار القانوني
يعرّف نظام الأحوال الشخصية في مادته (197) «التركة» بأنها ما يخلفه الإنسان بعد وفاته من أموال وحقوق مالية. (
وتقسيم التركة هو العمل القانوني الذي يتم بعد الوفاة لتوزيع هذه الحقوق والأموال على ورثتها الشرعيين، سواء بالاتفاق أو بالقضاء، وهو يشكّل خط النهاية الطبيعي لمسار الإرث.
يقول النظام في مادته (198) إنّه “لا يجوز قسمة التركة إلا بعد دفع ديونها وتنفيذ وصاياها إن وجدت”
ومن ثمّ، فالقسمة ليست مجرد تقسيم لأعيان أو أموال، بل هي إتمام لتوزيع الحقوق والمستحقّات بما يتماشَى مع الشريعة والنظام.
أهميّة القسمة في النظام والأُسرة والمجتمع
- استقرار العلاقات الأسرية: إذ تتيح القسمة – خصوصاً القسمة بالتراضي – تفادياً للنزاع بين الورثة، وحفظاً لروابط الأخوّة والأُسرة، وبهذا يُجَنّب المشرّع تفكّك العلاقات بسبب الخلاف المالي الوراثي. (
- تحقيق العدالة وشفافية التنفيذ: فباستكمال تسديد الديون، وتنفيذ الوصايا، ثم التوزيع بحسب الأنصبة الشرعية، يتحقّق مبدأ “الحقّ لكل ذي حقّ” ويُعزّز الأمن القانوني.
- الضبط التشريعي للتعامل بالتركة: إذ وضع النظام آليات واضحة لإجراءات الحصر والقسمة، وحدّد شروط الاستحقاق والعوائق، ما جعل المسارات التنفيذية أكثر وضوحاً في المحاكم. (
- حماية المورث والمستحقّين على حدٍّ سواء: فالمورّث يُستأنف حقّه بأن تُعامل تركته بما يقرّ نظاماً، والورثة يُستضعفون بحقّهم في القسمة وفق النصّ الشرعي والنظامي، ما يعزّز من احترام إرادة الميت وتنفيذها كما ينبغي.
إجراءات القسمة وأشكالها
يقسّم التطبيق العملي إلى شكلين رئيسين:
- القسمة بالتراضي: حيث يتفق الورثة جميعاً على تقسيم التركة بينهم، ويُوثّق الاتفاق ويوجَد مفوّض قانوني إن لزم الأمر. وقد ثبُتت أهميتها باعتبارها أقلّ تكلفةً وأسرع سبيلاً. (
- القسمة القضائية: حينما يخلف التوافق بين الورثة، أو أن تُثبِت المحكمة بأن بعض الأعيان غير قابلة للقسمة باليد، أو أن التخارج غير موثّق أو حصل قبل حصر التركة. وفي هذه الحالة تقدّم دعوى أمام كذا محكمة الأحوال الشخصية. من النواحي العملية، قبل الشروع في القسمة يجب: حصر أعيان التركة وديونها، تنفيذ الوصايا إن وجدت، ثم التوزيع على الورثة بحسب الأنصبة الشرعيةالضوابط القانونية الواجب مراعاتها
- وجود وفاة ثابتة للمورث: المادة (199) تشترط أن تُثبت الوفاة قبل أن يُعتبر للورثة استحقاق التركة.
- حُدود الإرث والمُنع الاجتماعي: يوضّح النظام أن من قتل المورث عمدًا أو تسبب في وفاته لا يرثه. (
- حفظ الحقوق قبل التوزيع: لا تبدأ القسمة إلا بعد سداد الديون، وتنفيذ الوصايا، وتحقيق الاستحقاق. وقد أتى ذلك في نظام الأحوال الشخصية والنُظم التنفيذية. (
- حسن اختيار نوع القسمة: الوثائق، الحصر، التقييم، قبول الورثة، أو رفع مطلب قضائي، كل ذلك مهم لضمان صحة القسمة. (
دور الممارس القانوني
إنّ دور المحامين والمستشارين الشرعيين في هذا المجال بالغ الأهمية، فهو يشمل: تقديم استشارات أولية للورثة حول حقوقهم، إعداد صكّات حصر الورثة ودعوى القسمة وكتابة العقود الاتفافية، وتمثيلهم في المحكمة عند الاقتضاء، وضمان توثيق الاتفاق أو الحكم القسمي لدى كتابة العدل أو محكمة التنفيذ.
وللقضاء دور محوريّ أيضاً في الفصل القضائي، مع مستشارين وخبراء ومقوّمين، لضمان توزيع التركة بما يحقّق العدالة ويوفّر الحماية القانونية للورثة الصغار والأُمّيين.
وعلى ضوء ما تقدّم، فإنّ قسمة التركات تُعدّ إحدى الزوايا التشريعية والاجتماعية التي جمعت بين الشريعة الإسلامية ونظام الأحوال الشخصية، لتصيغ إطاراً قانونياً يُوفّر العدالة ويضمن العمل بانسيابية بين الورثة وحقوقهم.
ومن خلال القسمة – سواء بالتراضي أو بالقضاء – يُحقّق المجتمع مبدأ “ردّ الحقوق إلى أهلها” ويُجنّب الخلافات التي تهدّد التماسك الأسري.
وما دام المشرّع السعودي قدّ أرسى الضوابط والإجراءات وأوضح الحقوق والالتزامات، فإنّ الالتزام بها والسير وفقها هو سبيل لتحقيق الأمن القانوني والروح الأخوية.
نسأل الله أن يوفّقنا جميعاً للعمل بهذا النظام بما يُحقّق مقاصد الشريعة ويحفظ الأُسرة والمال، ويجعله ذخراً لنا وطريقاً للطمأنينة.